بقلم : زعيم الدين بن عبد العظيم بن زَيّادي
أجمع العلماء علي جواز التسبيح والتهليل وسائر
الاذكار غير القرآن للجنب والحائض والنفساء. وجاز أيضا قراءة القرآن علي القلب من غير
تحريك اللسان. وأما قراءة الجنب أو الحائض أو النفساء القرآن باللسان ففيها مذهبان:
ذهب المالكية إلى أن الجنب لا يقرأ القرآن
حتى يتطهر، أما الحائض أو النفساء فيجوز لها قراءة القرآن في حال استرسال الدم سواء
كانت جنبا أم لا، خافت النسيان أم لا. وأما إذا انقطع حيضها فلا تجوز لها القراءة حتى
تغتسل، إلا أن تخاف النسيان؛ لأنها قادرة على التطهر في هذه الحالة. ففي شرح منح الجليل:
لا يمنع الحيض قراء بلا مس مصحف حال نزوله ولو متلبسة بجنابة قبله أو بعده، وقال:
والمعتمد إن انقطع حيضها فلا تقرأ حتى تغتسل كانت جنبا أو لا إلا أن تخاف النسيان ([1]).
وهناك قول ضعيف هو أن المرأة إذا انقطع حيضها جاز لها القراءة إن لم تكن جنبا قبل الحيض.
فإن كانت جنبا قبله فلا تجوز لها القراءة.
ولهم أدلة منها: عموم الذكر، والقراءة نوع
من الذكر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه، وقال لعائشة وهي
حائض: (فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حت تطهري)، وأعمال الحج
مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك، واستثنى الطواف لكونه
صلاة مخصوصة. ومنع قراءة القرآن إن كان لكونه ذِكرا فقد جاز الذكر، وإن كان المنع
تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصح شيء من الأحاديث -عندهم-، وما تقوم به حجة
قابل للتأويل ([2]).
أما حديث ابن عمر مرفوعا: (لا تقرأ الحائض
ولا الجنب شيئا من القرآن) فضعيف من جميع طرقه، وأما حديث علي: (كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة) فأهل الحديث لا يثبتونه،
فمداره على عبد الله بن سلِمة. ولو سلم بأنه مقبول ففي الاستدلال به على المنع
نظر؛ لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه ([3]).
كما أن هذا لا يوجب شيئا؛ لأنه ظن من الراوي، ومن أين يعلم أحد أن ترك القراءة كان
لموضع الجنابة إلا لو أخبره بذلك؟ ([4]). وأيضا: لا يصح قياس الحيض والنفاس على الجنابة،
لأنه قياس مع الفارق، فالجنب رفع حدثه بيده ولا يشق كالوضوء، وأما الحائض أو
النفساء فهي غير قادرة على إزالة المانع، فطال مقامها في الحيض أو النفاس، لذلك
إذا انقطع ولم تتطهر فلا تحل لها قراءته كما لا تحل للجنب.
ومن أدلتهم أيضا الاستحسان، فطول مقامها في
الحيض أو النفاس قد يمنعها من التعلم أو تعليم القرآن، فيُنسى ما تحفظه أو تتعلمه
من القرآن، أو تنقطع عن التعليم ([5]).ويجوز
عندهم قراءة القرآن بقصد التعوذ أو الرقية أو للاستدلال. والله أعلم.
وأما الجمهور فقالوا: لا تقرأ الحائض ولا
الجنب من القرآن شيئا لأدلة منها أحاديث الباب، نعم في كلها مقال، لكن تحصل القوة بانضمام
بعضها إلى بعض، وقد قال الحافظ عن حديث علي السابق: (والحق أنه من قبيل الحسن يصلح
للحجة) ([6]). ثم إن عليا كرم الله وجهه لم يكن ليقول هذا
عن توهم ولا ظن وإنما قاله عن تحقق.
هذا عن الجنب، وتقاس الحائض أو النفساء على
الجنب -على فرض عدم صحة أحاديث لها-؛ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة، وهذا ظاهر.
وفعل عائشة رضى الله عنها لا حجة فيه؛ لأن غيرها من الصحابة خالفها، وإذا اختلفت الصحابة
رضى الله عنهم رجعنا إلى القياس. وأما خوف النسيان فنادر فإن مدة الحيض غالبا ستة أيام
أو سبعة، ولا ينسى غالبا
في هذا القدر؛ ولأن خوف النسيان ينتفى بإمرار القرآن علي القلب ([7]). والله أعلم.
0 komentar:
Posting Komentar